حق الإكرام والاحترام
للطفل حقه في احترام لائق بشخصيته وإكرام ملائم لوضعيته وصغر سنه، وقد شرع الإسلام في هذا الصدد عدة تشريعات ترمي كلها إلى اعتبار وجود الطفل والاحتفاء به ومراعاة إحساسه ونزعاته.
أول ذلك تشريع العقيقة التي تذبح عند ولادة المولود فرحا بمقدمه وشكرا لله على إنعامه به، وقد جرى العرف بين المسلمين أن يقيم الرجل مأدبة يدعو لها إخوانه وأصدقاءه احتفاء بوليده وتقبلا للتهنئة من أصحابه بما وهبه الله عز وجل من الذرية، وكره بعض الأئمة دعوة الناس للعقيقة وهي كراهة لا مسوغ لها ولا موجب لاعتبارها، فليس في سنة النبي صلى الله عليه و سلم و لا في شريعته ما يمنع المسلم أن يدعو إخوانه إلى بيته بمناسبة وبغير مناسبة، فإطعام الإخوان لا يعدو أن يكون هدية أو صدقة وكلاهما مشروع في الإسلام.
وقد أمر النبي صلى الله عليه و سلم بتحسين تسمية المولود، إذ أن تسمية المولود تنبئ عن وسطه الذي نشأ فيه و ترمز إلى نوعية محيطه الذي يعيش فيه فيعرف موقع الإنسان - في الغالب - وتضيف قوميته من اسمه الذي سماه به أهله، فكان من المحمود أن يسمى الولد تسمية جميلة تكسبه قبولا حسنا عند الناس، و من أجل ذلك كان النبي صلى الله عليه و سلم يغير الاسم القبيح (رواه الترمذي) .
و كان النبي صلى الله عليه و سلم يكرم الأطفال ويوليهم من الاهتمام والاعتبار ما لا يولي مثله للكبار من رجال ونساء، وذلك مراعاة لصغر سنهم وإرضاء وتطييبا لنفوسهم.
عن شداد بن أوس قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم في إحدى صلاتي العشي وهو حامل الحسن أو الحسين فتقدم النبي صلى الله عليه و سلم فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى وسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها قال شداد فرفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو ساجد فرجعت إلى سجودي فلما قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم الصلاة قال الناس يا رسول الله إنك سجدت سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك قال كل ذلك لم يكن و لكن ابني ارتحلني - ركب ظهري - فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته (رواه احمد و النسائي).
و عن بريدة قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال صدق الله (إنما أموالكم و أولادكم فتنة) ، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان و يعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما ثم أخذ في الخطبة (رواه الترمذي و أبو داود و النسائي).
وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم قال والله إني لأسمع بكاء الصبي وأنا في الصلاة فأخفف مخافة أن تفتتن أمه (رواه البخاري و مسلم).
و عن عمرو بن سلمة قال انطلق أبي وأمه إلى النبي صلى الله عليه و سلم في نفر من قومه فعلمهم الصلاة وقال يؤمكم أقرؤكم وكنت اقرأهم لما كنت أحفظ فقدموني فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين ... الحديث (رواه البخاري و غيره).
وهذا الحديث ينفي ما يروج عند الناس أن الأطفال في الصلاة ينبغي أن يكونوا خلف الرجال اعتبارا لحديث ضعيف في الموضوع فإذا صح للطفل أن يكون إماما للرجال استحق من باب أولى أن يكون بين الرجال في الصف الأول وما يليه.
إن هذه المواقف النبيلة للنبي صلى الله عليه و سلم من أطفاله على مرأى و مسمع من الناس في الصلاة وفي خطبة الجمعة ومطاوعته لهم في تصرفاتهم الصبيانية والناس ينظرون إنما تعمد فعل ذلك ليعلم الناس كيف يعاملون أطفالهم برفق وإكرام ويراعون أحاسيسهم الرقيقة ويتقبلون منهم حركاتهم البريئة حتى لا يشعر الأطفال بازدراء واستخفاف من والديهم وهو ما لا ينسجم مع الرابطة المتينة القائمة بين الأولاد ووالديهم .