علم الخشية وحال السلف مع آي القرآن
====================
قد كان بعض السلف أطهر من ماء الغمام
وكان إذا قرأ هذه الآية: {{ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ }} بكى وانتحب حتى يخاف عليه أهله ... فما الظن بنا ؟
فهؤلاء قوم ذاقوا حلاوةَ الإيمان و القرب من ربهم
ومن ذاق عرف
فعَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ :
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ((ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا ))
وقال تعالى {{ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ }}
ومن عرف اغترف ، فقد قال تعالى فى الآيه التى تليها
{{ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ }}
ومن اغترف تكشفت له الحقيقه
فهو يمشى على الأرض وقلبه معلق بالسماء
ظاهره مَعَنَا وباطنه وجِلٌ من جلالِ ربه ، وَهَوْلِ الموقف صباح مساء
فكلما ارتقى العبد فى الولاية
زاد بجلال ربه معرفةً ودراية
وعرف أنه مقصر أيما تقصير
يتقرب إلى ربه وهو يخاف سوء المصير
صَّح عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: « سألتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: لا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ»
وقال تعالى {{ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ }}
فالعبد يعرف أن ربه له الحمد
وحمده يستأهل الحمد
وحمد حمده يستأهل الحمد
ومعرفة أن حمد حمده يستأهل الحمد .. في ذاتها تستأهل الحمد
فحمده لا ينقطع أبدًا أبدا
ومعاينة فضله بالهداية تتضح كلما شاهد الإنسان هؤلاء البعيدون عن طريق الرحمن
فهو لا يزال لله خاشع لأنه كلما علم تعلم انه لا يعلم
وتعلم أن أصل العلم هو (( الخشية))
قال عباس رضي الله عنهما (( أن لله عبادا أسكتتهم خشيته من غير عي ولا بكم ، إنهم لهم الفصحاء النطقاء النبلاء العلماء بأيام الله ، غير أنهم إذا ذكروا عظمة الله طاشت عقولهم من ذلك وانكسرت قلوبهم وانقطعت ألسنتهم حتى إذا استقاموا من ذلك سارعوا إلى الله بالأعمال الزاكية فأين أنتم منهم ))
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال كفى بخشية الله علما وكفى باغترار المرء جهلا
وأخرج أحمد في الزهد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال ((ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العلم الخشية ))
وأخرج الترمذي والحاكم عن الحسن رضي الله عنه
(( العلم علمان علم في القلب فذاك العلم النافع وعلم على اللسان فتلك حجة الله على خلقه ))
يقول الإمام ابن الجوزي : "يا مطرودًا عن الباب ، يا محرومًا من لقاء الأحباب ، إذا أردت أن تعرف قدرك عند الملك ، فانظر فيما يستخدمك ، وبأيِّ الأعمال يشغلك ، كم عند باب الملك من واقفٍ ، لكن لا يدخل إلا من عني به ، ما كلّ قلبٍ يصلح للقرب ، ولا كلّ صدرٍ يحمل الحبّ ، ما كلّ نسيم يشبه نسيم السحر "
فليت شعري
هل سينادى {{ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ }}
أم سينادى " هيهاااااات ولات حين أمان ولا خروج لكم من دار الهوان "
فشتان بين
﴿ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ وبين ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ ...
شتان شتان بين الوعد والوعيد
{{ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ }}
قَالَ مُقَاتِلٌ : ظَهَرَ لَهُمْ حِينَ بُعِثُوا مَا لَمْ يَحْتَسِبُوا فِي الدُّنْيَا أَنَّهُ نَازِلٌ بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ .
قال عكرمة بن عَمَّار رحمه الله : لما حضرت محمد بن المنكدر الوفاة جزع .. ففكر أهله أن يحضروا أبا حازم سلمة بن دينار يواسيه ويسري عنه .. وجاء أبو حازم فقال له ابن المنكدر: إن الله يقول: ﴿ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ فأخاف أن يبدوا لي من الله ما لم أكن أحتسب .. وبكي ابن المنكدر فبكي أبو حازم .. فقال أهل ابن المنكدر لأبي حازم: دعوناك لتخفف عليه فزدته جزعاً.
وكان سفيان الثوري رحمه الله إذا قرأ ﴿ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ يقول: « ويل لأهل الرياء ويل لأهل الرياء » ..
وقال أبو حامد الغزالي رحمه الله في إحياء علوم الدين: « مَن اعتقد في ذات الله وصفاته وأفعاله خلاف الحق ، وخلاف ما هو عليه؛ إما برأيه أو معقوله ونظره ، الذي به يجادل ، وعليه يعول ، وبه يغتر ، وإما بالتقليد ، فمَن هذا حاله ربما ينكشف له حال الموت بطلان ما اعتقده جهلاً ، فيتطرّق له أن كل ما اعتقده لا أصل له ، فيكون ذلك سبباً في شكه عند خروج روحه ، فيختم له بسوء الخاتمة ، وهذا هو المراد بقوله تعالى : ﴿ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ وبقوله : ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ﴾ ».
وقال الزمخشري رحمه الله في الكشاف: « ﴿ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ هذا من الوعيد .. ونظيره في الوعد ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ السجدة 17. ».
قال القشيري رحمه الله في تفسير ﴿ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ : « في سماع هذه الآية حَسَراتٌ لأصحاب الانتباه » .....
ويقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير آية: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ أي: من الخير الكثير، والنعيم الغزير، والفرح والسرور، واللذة والحبور، كما قال تعالى على لسان رسوله صلي الله عليه وسلم: ( أعددت لعبادي الصالحين : ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ) البخاري 4779 عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فأستغفر الله ثم أسغفر الله ثم أسغفر الله