ملتقى المسلمين فى العالم
سلسة خطب الشيخ العريفي 8- (المنهج النبوي في  الدعوة إلى الله ) 50758410
ملتقى المسلمين فى العالم
سلسة خطب الشيخ العريفي 8- (المنهج النبوي في  الدعوة إلى الله ) 50758410
ملتقى المسلمين فى العالم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى المسلمين فى العالم

منتدى اسلامى شامل يجميع جميع المسلمين فى انحاء العالم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

المواضيع الأخيرة
» سلسة: خطب الشيخ العريفي 38 فضل عشر ذي الحجة والسنن الواردة فيها
سلسة خطب الشيخ العريفي 8- (المنهج النبوي في  الدعوة إلى الله ) Emptyالإثنين يوليو 10, 2023 10:34 am من طرف ابوحذيفة السلفى

» سلسة: خطب الشيخ العريفي 37 حال المؤمن بعد الحج
سلسة خطب الشيخ العريفي 8- (المنهج النبوي في  الدعوة إلى الله ) Emptyالإثنين يوليو 10, 2023 10:29 am من طرف ابوحذيفة السلفى

» سلسة: خطب الشيخ العريفي 36 حجة الوداع
سلسة خطب الشيخ العريفي 8- (المنهج النبوي في  الدعوة إلى الله ) Emptyالإثنين يوليو 10, 2023 10:22 am من طرف ابوحذيفة السلفى

» سلسة: خطب الشيخ العريفي 35 أهمية توحيد الله
سلسة خطب الشيخ العريفي 8- (المنهج النبوي في  الدعوة إلى الله ) Emptyالإثنين يوليو 10, 2023 10:12 am من طرف ابوحذيفة السلفى

»  سلسة: خطب الشيخ العريفي 34 أهمية التربية الصالحة
سلسة خطب الشيخ العريفي 8- (المنهج النبوي في  الدعوة إلى الله ) Emptyالإثنين يوليو 10, 2023 10:01 am من طرف ابوحذيفة السلفى

» سلسة: خطب الشيخ العريفي 33 القول على الله بغير علم
سلسة خطب الشيخ العريفي 8- (المنهج النبوي في  الدعوة إلى الله ) Emptyالإثنين يوليو 10, 2023 9:53 am من طرف ابوحذيفة السلفى

» سلسة: خطب الشيخ العريفي 32 الابتــــــــــــلاء
سلسة خطب الشيخ العريفي 8- (المنهج النبوي في  الدعوة إلى الله ) Emptyالإثنين يوليو 10, 2023 9:48 am من طرف ابوحذيفة السلفى

» سلسة: خطب الشيخ العريفي 31 التنافس في الخيرات
سلسة خطب الشيخ العريفي 8- (المنهج النبوي في  الدعوة إلى الله ) Emptyالإثنين يوليو 10, 2023 9:43 am من طرف ابوحذيفة السلفى

» سلسة: خطب الشيخ العريفي 30 آداب النصيحة
سلسة خطب الشيخ العريفي 8- (المنهج النبوي في  الدعوة إلى الله ) Emptyالإثنين يوليو 10, 2023 9:38 am من طرف ابوحذيفة السلفى

» سلسة: خطب الشيخ العريفي 29 إصلاح ذات البين
سلسة خطب الشيخ العريفي 8- (المنهج النبوي في  الدعوة إلى الله ) Emptyالإثنين يوليو 10, 2023 9:29 am من طرف ابوحذيفة السلفى

تصويت
من هو أفضل قارئ للقران الكريم
 عبد الباسط عبد الصمد
 محمد صديق المنشاوى
 إبراهيم الشعشاعي
 الشحات أنور
 محمد رفعت
 محمد محمود الطبلاوي
 مصطفى إسماعيل
 نصر الدين طوبار
 محمود الشحات أنور
 راغب مصطفى غلوش
استعرض النتائج
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم

شاطر
 

 سلسة خطب الشيخ العريفي 8- (المنهج النبوي في الدعوة إلى الله )

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابوحذيفة السلفى
الاعضاء


عدد المساهمات : 342
نقاط : 1013
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 09/02/2014

سلسة خطب الشيخ العريفي 8- (المنهج النبوي في  الدعوة إلى الله ) Empty
مُساهمةموضوع: سلسة خطب الشيخ العريفي 8- (المنهج النبوي في الدعوة إلى الله )   سلسة خطب الشيخ العريفي 8- (المنهج النبوي في  الدعوة إلى الله ) Emptyالثلاثاء مارس 07, 2023 12:49 pm

[ltr][size=96]المنهج النبوي في
الدعوة إلى الله[/size]
[/ltr]




 
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ -تعالى- من شُرورِ أنفُسِنا وسَيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَه، ومن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له جَلَّ عن الشبيهِ والـمَثيلِ والكُفْءِ والنظير، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ وصَفِيُّهُ وخليلُه وخيرَتُهُ من خلقِهِ وأمينُه على وَحْيهِ أرسلَهُ رَبُّهُ رحمةً للعالمين وحُجَّةً على العبادِ أجمعين؛ فهدى اللهُ -تعالى- بهِ من الضلالَة، وبَصَّرَ بهِ من الجَهالَةِ، وكَثَّرَ بهِ بعدَ القِلَّة، وأغنى به بعدَ العَيْلَة، وتَرَكَنا على الـمَـحَجَّةِ البَيضاءِ لَيلُها كَنهارِها لا يَزيغُ عنها إلّا هالِكٌ؛ فصلواتُ اللهِ وسلامُه عليه وعلى آلهِ الطيبين وأصحابهِ الغُرِّ الـمَـيامين ما اتَّصَلَتْ عَينٌ بِنَظَر، ووَعَتْ أُذُنٌ بِخَبـَر، وسلَّمَ تسليماً كثيراً ونَسألُ اللهَ -تعالى- أن يـَجعلَنا من صالـِحي أُمَّتِه، وأن يـَحشُرَنا يومَ القيامةِ في زُمرَتِه.
أمــــــــــــــــــا بعد:






أيُّها الإخوةُ الكرام: لقد بَعَثَ اللهُ -تعالى- الرُّسُلَ هُداةً مُبشِّرين ومُنذِرين، وخَتَمَهم بخيرِ الخلقِ أجمعين سَيدِنا محمدٍ صلواتُ ربي وسلامُه عليه وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.
و كان نبيُّنا -- حريصاً على هدايةِ الخلق، رَؤوفاً رحيماً بهم رفيقاً في التعامُلِ معهم، يَبذُلُ -- جُهدَهُ لهدايَتِهم، وكان في سبيلِ ذلكَ يَصبرُ على أذاهم، ويُخالِطُهم في مَواطِنِهم، ويَسيرُ إليهم في نواديهم.
ولا يَكادُ يَدَعُ -- وسيلةً أو باباً يُـمَكِّنُهُ من هدايةِ الناسِ إلّا سَلَكَهُ، ومن ذلكَ مُراسَلَتَهُ -- للملوكِ والعُظَماءِ الذين كانوا في عَصرِه، ومن ذلك مُقابلَته لمن يأتي إلى مكةَ أو إلى المدينة، ودعوته مُحاوَرَتَه ومُناظَرَته -- لليهودِ أو النصارى.
أيُّها المؤمنون: لَعَلَّنا نَقِفُ اليومَ على ثلاثةِ مَواقِفَ من مواقفِ هِدايَتِه -- للناس، وصَبرِهِ على أذاهم، وقُدرَتهِ على الرِّفقِ بهم والرَّأفَةِ بأحوالِهم، حتى وإن قيلَ عنه: مجنونٌ أو ساحِرٌ؛ فإنَّه كان -- يطلبُ ما هو أعظمُ من ذلك وهو هِدايَتَهم؛
فأما♦ الموقفُ الأول: فروى الإمامُ مسلمٌ في صحيحهِ عن ابن عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما- قال: أقبلَ ضِمادُ - وكان ضمادُ هذا رجلاً من المشركين، لكنَّهُ كان يَتعاطى الطِّبَّ في الجاهِليةِ؛ فكانَ يُعالـِجُ الناسَ من بعضِ الأدْواءِ أقبل إلى مَكةَ في حاجةٍ لهُ، فَسَمِعَ الناسَ يَتَكلَّمونَ عن المجنون.
وكانوا يَقصِدون بهِ سَيِّدَنا رسولَ اللهِ --، وهي فِريَةٌ؛ فما بعثَ اللهُ -تعالى- نَبِياً إلّا افتَراها قَومُهُ عليه؛ كما ذَكَرَ اللهُ -تعالى- ذلكَ عن نوحٍ -عليه السلام-: ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِر)، وقال تعالى: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُون).
فقالَ ضِمادُ لهم: مَن هذا المجنونُ الذي تتَحدَّثونَ عنهُ؟ قالوا: رجلٌ يَدَّعي أنَّه يُوحَى إليه، وأنه يأتيه رِئْيٌ يُنَبِّئُه، وجَعَلوا يتكلَّمون عن رسولِ اللهِ
--.
فمضى ضِمادُ يَبحثُ عن رسولِ الله -- قاصِداً أن يُعالـِجَهُ مما بِه، حتى إذا وَقَفَ ضمادُ بينَ يَدَيِ النبيِّ -- قال لهُ: إنَّ قَومَكَ حدَّثوني أنَّك مجنونٌ، وإنِّي أعالجُ من هذهِ الريح، وأعالجُ من هذا الجنون؛ فإنْ شِئتَ رَقَيتُكَ فعالجتُك؟
فإذا بالنبيِّ -
- يَرفعُ بَصَرَهُ إليهِ، وهو -- قد جاوَزَ الأربَعينَ، وهو لا يَزالُ في مكةَ -وإذا رَجُلٌ غريبٌ يُقبِلُ من خارِجِ مكةَ لأجلِ أن يُعالـِجَهُ، مما يَزعُمُ قومُهُ أنهُ مُصابٌ به؛ فلم يَغضَبْ -- وإنما رَفَعَ بصرَهُ إليه؛ وقال بِكُلِّ هُدوءٍ: "إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أمــا بعد: ". عِندَها انْتَفَضَ ضِمادُ، وقال: أَعِدْ عَلَيَّ كلماتَكَ هؤلاء؛ أي: أعِدْ عليَّ هذه الـمُقدَّمَةَ، وذلكَ قبلَ أنْ يَقرأ النبيُّ -- حتى آيةً واحِدَة.
فأعادَها النبيُّ -- أخرى، ثم لما أرادَ -- أن يَشرَعَ فيما بعدَها، قال ضماد: أعِدْها علي. فأعادها -- مرةً ثالثةً، فقال له ضمادُ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، وَقَوْلَ السَّحَرَةِ، وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ؛ فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ، وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ- يعني لقد سَمِعَها أقصى من يكونُ في البحرِ من الجِنِّ -، فحَدِّثْني عن دِينِك؟ حَدِّثْني عن هذا الذي يَتَّهِمُكَ قومُك له؟ فحدَّثَهُ النبيُّ -- عن الإسلام، وعن عِبادَةِ اللهِ وَحدَه لا شريكَ له.
فقال ضماد: هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ: فَبَايَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ --: "وَعَلَى قَوْمِكَ"، قَالَ: وَعَلَى قَوْمِي (رواه مسلم).
وإذا بالرجلِ الطبيبِ الذي جاءَ زاعِماً أنَّه سيُعالـِجُ النبيَّ
-- مما هو فيه، إذا بهِ يكونُ من أتباعِهِ --، وما ذاكَ إلّا لِرَأفَتِهِ -- بهم وحُنُوِّهِ ولُطْفِهِ ورِفْقِهِ بهم.
أيها الأحبة الكرام:
أما ♦الموقفُ الثاني: فكان عَمرو بنُ عَبَسَةَ -رضي الله تعالى عنه- يُنكِرُ على قومِهِ في الجاهليَّةِ ما يَعبدونَ من أصنامٍ وأوثان، فكانوا يقولون له: فماذا نعبد؟ فيقول: لا أدري! لكني أعلمُ أنَّ ما تَعبدونَه من أصنامٍ وأوثانٍ لا تَنفَعُكم شيئًا.
فلم يَلبَثْ به وقتٌ حتى سمعَ بظهورِ النبيِّ
-- في مكة، فتَحَمَّلَ حتى ذهبَ إليه، ثم دخلَ وقابَلَ النبيَّ --، ثم وقفَ بين يدي رسولِ اللهِ --، وقال عمرو بن عبسة للنبي --: ما أنت؟ فقال: --: "أَنَا نَبِيٌّ"
قال: فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟ قَالَ: "أَرْسَلَنِي اللهُ" فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: "أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ".
وجعلَ -- يُحدِّثُه بأحاديثَ تَدُلُّ على صحةِ الإسلام، وعلى أنَّ الناسَ الذينَ يعبدونَ هذهِ الأصنامَ والأوثانَ هم على ضلالٍ، قال: قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: "حُرٌّ، وَعَبْدٌ" قَالَ: وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ، وَبِلَالٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ، فقال له عمرو بن عبسة: "إِنِّي مُتَّبِعُكَ" ابْسُطْ يَدَك أبايِعْكَ على الإسلام، فبسَطَ النبيُّ -- يَدَهُ فبايَعَه.
ثمَّ من رَحمَتِهِ -- بهِ وخَشْيَتِهِ أن يُفتَـنَ في دينِه، وهو لا يزالُ في أوَّلِ ظُهورِ الإسلام، قال له --: "إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا، أَلَا تَرَى حَالِي وَحَالَ النَّاسِ، وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنِي" لا يُريدُهُ -- أن يُصيبَهُ فتنةٌ فيَرجِعَ عن دينه، وهو قَريبُ العهدِ بالإسلام.
إخـــوة الإسلام: وهذا منهجٌ لمن يَدعو الناسَ إلى الإسلام، فإذا دَعَوتَ أحداً إلى الإسلام فَدَخَلَ فيهِ ثم خَشيتَ ألّا يَتَحَمَّلَ الضغطَ الذي يأتيهِ من أهلهِ، والتكذيبَ والفِتنةَ فلا داعيَ أن يُعلِنَ إسلامَه؛ فلو أسلَمَ أحدٌ من الناس على يَدِكَ فلا داعيَ أن تقولَ له: أخبـِرْ قومَكَ، وأخبر أهلَكَ، وأخبر الناس، إذا كنت تَخشى أن يُفتَنَ فيعودَ عن دينه، يجوزُ له أن يَكتُمَ دينَه حتى يَتَمكَّنَ الإيمانُ من قلبِه.
ومَضى عمرو بن عبسة إلى قومهِ مؤمِناً باللهِ حتى إذا ظهرَ النبيُّ -- وهاجرَ إلى المدينة، وكانَ لهُ فيها وجودٌ وكَثُرَ المسلمون، أقبلَ عمرو بن عبسةَ إلى رسولِ اللهِ -- بعدَ عشرِ سنين، فلمَّا وقفَ بينَ يَدَيهِ قال عمرو بن عبسة: يَا رَسُولَ اللهِ أَتَعْرِفُنِي؟ قَالَ: "نَعَمْ، أَنْتَ الَّذِي لَقِيتَنِي بِمَكَّةَ" قال: صدقت يا رسول الله (رواه مسلم).
ثم لم يَزَلْ عمرو مع النبي --، فهذا من هِدايَتِهِ -- ومن رَحمَتِه بالناس.
مَعَاشِرَ الـمُؤمِنين: ♦ والموقفُ الثالث: كانَ نبيُّنا
-- يُراسِلُ الملوكَ والعُظَماءَ يَدعوهم إلى الإسلام؛ فلم يَكُنْ -- يَكتَفي بأن يَقعُدَ في مَكةَ أو المدينة، وينتظرُ أن يأتيَ الناسُ إليهِ للدُّخولِ في الإسلام كلّا، وإنَّما كانَ يَغشى الناسَ في مَجالِسِهم يُخالطُهم، يُرسلُ إليهم يُكاتِبُهم، يَبذُلُ كلَّ سَبيلٍ لِهدايَتِهم.
ومن ذلكَ: أنَّه -- بَلَغَهُ خبرُ نصارى نَجرانَ فأرسلَ -- إليهم كتاباً كتبَ فيه: بِاسْمِ إِلَهِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبيّ رَسُولِ الله إلى أَسْقُفِ نجرانَ وأهلِ نجران، إنْ أسلَمتم فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمْ إِلَهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ"؛ أي أدعوكم بدعايةِ اللهِ إلى عبادةِ اللهِ وحدَهُ لا شريكَ له.
فلما وَصَلَهم كتابُهُ دَفَعوهُ إلى الأسقُف -والأسقُفُ هو القسيسُ الأعظمُ عندَهم الذي يَصدُرونَ عن أمرِهِ- فلمَّا قَرَأَهُ -وكانَ يعلمُ أنَّ النبيَّ  
 سوفَ يُبعث، فقد بَشَّرَ بهِ الأنبياءُ الأولون- أرسلَ إلى رجلٍ عاقلٍ منهم اسمهُ شُرَيحٌ، فلما جاءَ شريحٌ وجلسَ بين يديهِ قال له: قد بلَغَني ووصَلَني هذا الكتابُ؛ فما تقولُ فيه يا شريحُ؟
فنظرَ شريحٌ فيهِ، وإذا الأسقُفُ رجلُ الدينِ يَستَشيرُهُ في قَضيةٍ دينيةٍ، وشريحٌ هذا ليسَ من عُلَماءَ الدين،
فقالَ: عجباً تَسألُني! لو كانَ أمراً من أمرِ الدنيا لأشرتُ عليكَ به، لكن أنت تسألُني في قضيةٍ دينيةٍ وأنتَ العالِم، فقال: أعطِني رَأيَك؟ قال: ألَا تَخشى -أيُّها الأسقفُ- أن يكونَ هذا الذي أَرسلَ إليكَ هو النبيُّ الذي بَشَّرَ بهِ موسى وعيسى؟ قال: فاقْعُدْ.
ثُمَّ بعثَ الأسقفُ إلى عددٍ من عُقَلائِهم، فقالوا مثلَ ذلك، فأمرَ بأن تُشْعَلَ النيرانُ في الصَّوامِعِ والكنائِسِ حتى يَجتمِعَ الناسُ، وأن يُضرَبَ بالنواقيسِ، فاجتمعَتْ ثلاثٌ وثمانونَ قريةٍ، وأكثرُ من مائةٍ وعشرينَ ألف مُقاتلٍ، فاستشارَهم: ما تقولونَ في هذا الرجلِ الذي يَدعونا إلى دينهِ، وإلَّا فالجِزيَةِ؛ فإن أبَينا الجزيةَ فالحرب؟
فاتَّفَقوا على أن يُرسِلوا وفداً من عندِهم، فخرجَ الأسقُفُ، وخرجَ معهُ أخوهُ أبو علقمة وخرجَ معهُ شُريحٌ وجمعٌ من وُجَهائِهم، فلما وصلوا إلى المدينةِ نزلوا ووَضَعوا عنهم لباسَ السَّفَرِ ولَبِسوا الحريرَ والذَّهَبَ، ثم أقبلوا ودخلوا المسجدَ على النبيِّ
-- فلمَّا رَآهم -- أعرَضَ عنهم؛ لَمَّا رأى لِباسَ الكِبْرِ والغُرور، عَلِمَ أنَّهم ما جاءوا لِأجْلِ أنْ يَذِلُّوا لله، وأن يَطرَحوا ما هم فيهِ من دين إذا عَلِموا الدينَ الحقَّ.
فأعرضَ عنهم
-- فالتَفَتوا إلى بعضِ الصحابةِ قالوا: هو يَدعونا إليهِ ثُمَّ يُعرِضُ عنا؟ فقالوا لهم: امضوا فَغَيِّروا هذا اللِّباسَ فمَضَوا وغيَّروا لباسَهم، ثم أقبلوا إلى النبيِّ -فلمَّا رآهم أقبلَ عليهم -- مُتَلَطِّفاً مُرَحِّباً، وقال لأصحابهِ: "وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَقَدْ أَتَوْنِي الْمَرَّةَ الْأُولَى وَإِنَّ إِبْلِيسَ لَمَعَهُمْ ".
ثم قَعَدوا بَينَ يَدَيهِ فَسَألوهُ عن عيسى فأنزلَ اللهُ -تعالى-: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُون) فكذَّبوا، وقالوا: بل عيسى ابنُ الله، فأنزلَ اللهُ -تعالى-: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ) من بَعدِ ما نزلَ فيه من الآياتِ (فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِين)؛ أي: الـمُباهَلَةَ إن كُنتم لم تُصَدِّقوا أنَّ عيسى عبدٌ ورسول فأنا الآنَ أجمعُ أهلي وأنتم تَجمعونَ أهلَكم، ونَسألُ اللهَ كُلُّنا، نَدعوا يا رَبُّ اجْعَلْ لَعنَتَكَ على الكاذِبين؛ فهل تُوافِقون؟ فأبَوا وخافوا، قالوا: بَلْ نُقِرُّ بالجِزية.
ثم مَضَوا راجِعين إلى نَجرانَ، فلما مَشَوا شَيئاً يَسيراً من المدينة، كانَ أبو علقمةُ أخو الأسقُفِ على دَابَّتِهِ - وهو يُفَكِّرُ في هذهِ الجِزيَةِ التي لـَحِقَتهم والذُّلَّ-، فعَثَرَتْ بهِ دابَّتُه فقال: تَعِسَ محمدٌ! سَبَّ النبيَّ
--، فقالَ لهُ أخوهُ الأسقفُ: اخْسَأْ بَلْ أنتَ تَعِسْتَ! لقد تَعَّسْتَ نَبِيًّا مُرسَلاً، فقالَ له أخوهُ أبو علقمةُ: أتؤمِنُ -أيُّها الأسقفُ- أنَّ هذا نبيٌّ مُرسَل؟ قال: واللهِ إنَّه النبيُّ الذي بَشَّرَ بهِ موسى وعيسى، وجاءَ خَبَرُهُ في التَّوراةِ والإنجيل،

قال له: عجباً! فلماذا لا تُؤمِنُ بهِ ما دُمتَ عرفتَ ذلك؟ فقال له: إنَّ هَؤُلاءِ القومَ -يَعني أصحابَ القُرى- قد أكرَمونا وأعطَونا الأموالَ، وبَنوا لنا الكنائِسَ والدورَ الكبار، وجعلونا وجهاءَ؛ فإنْ أنا تركتُ دينَهم، واتَّبعتُ دينَهُ كنتُ رجلاً من عامةِ أصحابه.
انظُروا -إخـــوة الإسلام- كيفَ يمنعُ -أحياناً- المالُ والكِبرُ الشخصَ من اتِّباعِ الحقِّ.
فقالَ لهُ أبو علقمةُ: سبحانَ الله! وكَنائِسُكَ وأموالُكَ هذهِ تمَنعُكَ من اتِّباعِ الحقِّ إذا ظهَرَ لك، قال: إنِّي لا أستطيعُ أن أفرِّطَ في هذا.
عندَها لَوَى أبو علقمةُ رقَبةَ ناقَتِهِ ووَجَّهَ إلى المدينة، فناداهُ أخوهُ فلم يَلتفِتْ إليهِ وجَعلَ يقولُ أبو علقمةُ وهو ماضٍ إلى المدينةِ مُخاطِباً رسولَ الله
--:
إلَيْك تَعْدُو قَلِقًا وَضِينُهَا *** مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا جَنِينُهَا
مخالفا دين النصارى دينها *** قد ذهب الشحم الذي يزينها
ومعنــاه: إن ناقتي تعدو إليك بسرعة في طاعتك قلقا وضينها، والوضين حبل كالحزام؛ من كثرة السير والإقبال التام والاجتهاد في طاعتك، والمراد صاحب الناقة.
ولا زالَ يُرَدِّدُ ذلكَ حتى وَصَلَ إلى رسولِ الله
--، وبايَعَهُ على الإسلام. رواها ابن هشام في السيرة والبيهقي في دلائل النبوة،
ثُم قـُـتِلَ -رضي الله عنه- في بعضِ المعاركِ مع رسول الله
--.
أيها الأحبة الكرام: إنَّ الهدايةَ هيَ أكبرُ النِّعَمِ التي يُنزِلُها اللهُ -تعالى- على العبدِ، ولذلكَ أمرَنا أن نقولَ في الصلوات: (اهْدِنا الصِّراطَ المستقيم)، تَدعو بِها سَبعَ عَشْرَةَ مَرَّةٍ في كُلِّ يومٍ في صلواتِ الفريضة، وتدعو بها أيضاً في صلواتِ النافِلَةِ، تدعو اللهَ أن يَهدِيَكَ الصراطَ المستقيمَ في لِسانِك، في سَمْعِك، في صَلاتِك، في صَدَقَتِك، في بِرِّك، في إحسانِك، في تَعامُلِك، إذا كَمَّلَ اللهُ -تعالى- لكَ الهدايةَ فقدْ أرادَ اللهُ -تعالى- بكَ الخير.
نَسألُ اللهَ -تعالى- أن يَهدِيَ قُلوبَنا، وأن يُيَسِّرَ أمرَنا، وأن يُعيذَنا من الفِتَنِ ما ظهرَ منها وما بَطَنَ.
أقولُ ما تَسمَعون، وأستَغْفِرُ اللهَ الجليلَ العظيمَ لي ولكم من كُلِّ ذَنْبٍ، فاستَغفِروهُ؛ إنَّهُ هو الغفور الرحيم.
 
 
 





الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إحسانهِ والشُّكرُ لهُ على تَوفيقِهِ وامْتِنانِه، وأشهدُ أن لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَحدَهُ لا شريكَ لَه، وأشهدُ أنَّ مُحمداً عبدُهُ ورسولُه، الدَّاعي إلى رِضوانِه، صلى اللهُ وسلَّمَ وبارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وإخوانِه وخِلَّانِه، ومن سارَ على نَهجِه، واقْتَفى أثَرَهُ واسْتَنَّ بِسُنَّتِه إلى يومِ الدِّين.
أمــــــــــــــــــا بعد:
أيُّها الإخوةُ الكرام: هذه كانت مواقف من دعوته -- للناس، وقد كانت دعوته كلها رفْق وسهولة، كلها لِين وعطْف، حكمة وسياسة، لم يعتمِد فيها على قوَّة ولا جبروت.

وبمثل هذه المواقف التي ذكرناها وغيرها من مواقفه -- في الدعوة، نعلم أن محمدًا -- ما جاء إلا ليُخرِج العباد من الظلمات إلى النور، ويُقيم المِلة الصحيحة، ويُعطي كل ذي قدْر قدره، وليُعرِّف المخلوق بخالقه، ويُبيِّن له كيف يوحِّده، وكيف يعبده بالشرع الذي أنزله الخالق، ثم ليُقيم لنا منهجًا وسبيلاً مَن التزَمه سعِد في الدنيا، ونجا وفاز في الآخرة.

وقد صَفَه الله فقال: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة:128]

هدى الناس باللين، وأخذ بيدهم إلى الخير.

وصدَق الله حين أثنى على رسوله فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم:4].

اللهُمَّ إنَّا نَسألُكَ من الخيرِ كُلِّهِ عاجِلِهِ وآجِلِهِ ما عَلِمنا منهُ وما لم نَعلَم،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سلسة خطب الشيخ العريفي 8- (المنهج النبوي في الدعوة إلى الله )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  سلسة خطب الشيخ العريفي 7- (أولياء الله )
» سلسة: خطب الشيخ العريفي 33 القول على الله بغير علم
» سلسة: خطب الشيخ العريفي 35 أهمية توحيد الله
»  سلسة خطب الشيخ العريفي 18- (تأملات في سيرة أبي هريرة رضي الله عنه)
» سلسة خطب الشيخ العريفي 21 سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى المسلمين فى العالم :: الميديا الاسلاميه :: خطب مفرغه-
انتقل الى: