[ltr][size=133]شهر رمضان [/size][size=133]
[/size][size=133]شهر القرآن[/size][/ltr]
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ للهِ نَحمدُه، ونَستعينُه ونَستغفِرُه، ونعوذُ باللهِ -تعالى- من شُرورِ أنفُسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا، من يَهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إلَهَ إلّا اللهُ وَحدَهُ لاشريكَ لَه، جَلَّ عنِ الشبيهِ والـمَثيلِ، والنِّدِّ والنظير، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُه، وصَفِيُّهُ وخليلُه، صلى اللهُ وسلَّمَ وبارَكَ عليه، وعلى آلهِ الطيبين، وأصحابِهِ الغُرِّ الـمَيامين، ما ذكرَهُ الذاكِرونَ الأبرار، وما تَعاقَبَ الليلُ والنهار، ونَسألُ اللهَ أن يَجعَلَنا مِن صَالـِحي أمَّتِه وأن يَحشُرَنا يومَ القيامَةِ في زُمرَتِه،
أمــــــــــــــــــا بعد:
أيُّها الإخوةُ الكِرام: لقد شَرَّفَ اللهُ هذا الشهرَ العظيمَ الـمُبارك بأن أنزَلَ اللهُ -تعالى- فيهِ أعظَمَ كُتُبِه، قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ)
ومَدَحَ اللهُ مَن يَتلونَهُ فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ) [فاطر: 29].
وبَيَّنَ اللهُ -جَلَّ وعلا- تَزكِيَةً لأولئِكَ الذينَ يَحفَظونَه، فقالَ سُبحانَهُ وتَعالى: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)
وبَيَّنَ النبيُّ -ﷺ- أنَّ القرآنَ يَرفَعُ صاحِبَهُ في الدُّنيا، وينفَعُهُ يومَ القيامة، فأما رَفعُهُ في الدنيا فلقد قال -ﷺ-: "إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ"(رواه مسلم).
وقال -ﷺ- : "إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ" رواه أبوداود؛
فَبَيَّنَ النبيُّ -ﷺ- كَرامَةَ أهلِ القرآنِ باهتِمامِهِ بهم وتَعظيمِهِ لِشأنِهم، وإكرامِهم مِن دونِ سائِرِ الناس.
وبَيَّنَ النبيُّ -ﷺ- أنَّ القرآنَ يَنفَعُ صاحِبَهُ يومَ القيامة فقال: "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا"(رواه مسلم).
وبَيَّنَ -ﷺ- أنَّ الرِّفعَةَ يومَ القيامةِ تكونُ بالقرآنِ، فقالَ ﷺ : "يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْتَقِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا"(رواه الترمذي وأبوداود).
إخـــوة الإسلام: لقد تَعاهَدَ النبيُّ -ﷺ- القرآنَ سواءً في رمضانَ أو في غيرِ رمضان، وكانَ -ﷺ- وأصحابُهُ والتابِعونَ يَهتَمونَ بالقرآن؛ تِلاوةً ومُراجَعَةً وتَدَبُّراً، وكانوا يَهتمونَ بهِ في رمضانَ أكثرَ من اهتِمامِهم بهِ في غيره،
بل إنَّ جبريل -عليه السلام-، كانَ يُدارِسُ النبيَّ -ﷺ- القرآنَ في كُلِّ رمضان ،لم يُذكَرْ أنَّهُ يَنزِلُ عليهِ في شهرِ مُحرَّم لمدارَسَةِ القرآنِ كاملا، أو يَنزِلُ عليهِ في شهرِ شعبانَ أو شوال، وإنَّما جاءَ الحديثُ أنَّهُ ينزلُ عليهِ في شهرِ رمضان، يُراجِعُ معهُ القرآن، يُدارِسُهُ القرآن، حتى إذا كانَ الرَّمَضانَ الأخيرَ لهُ -ﷺ- الذي تُوُفِّيَ بعدَهُ بأشهر، نزلَ إليهِ جبريلُ فراجَعَ معهُ القرآنَ ودارَسَهُ معهُ مَرَّتَينِ في رمضانَ واحِد (رواه مسلم)،
ولقد كانَ عليهِ الصلاةُ السلامُ يَتلو القرآنَ طِوالَ أيامِه، ويَهتَمُّ بهِ اهتماما عظيما في رَمَضان.
لقد أدركَ السَّلفُ الصالِح، والتابعون لهم بإحسان سِرَّ عظمةِ القرآن، فطاروا بعجائبه، وعاشوا مواعظَه، وفي المواسم الفاضلة يَزداد التعلُّق به، ويشتدُّ التسابُق إلى قراءته؛ فإذا قِرأتَ في سِيَرِهم وجدتَ أنَّ الواحِدَ منهم كانَ يَقرأُ في رمضانَ الشيءَ الكثير، حتى إنَّكَ لَتَعجَبُ هل يستطيعُ أن يَصنعَ ذلك؟!
• يقول عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-: "يَنبغي لحاملِ القرآن أن يُعرفَ بلَيلِه إذ الناس نائِمون، وبنهارِه إذ الناس مُفطِرون، وبحُزنِه إذ الناس يفرحون، وببكائِه إذ الناس يَضحكون، وبصَمتِه إذ الناس يخوضون، وبخشوعه إذ الناس يختالون".
• وكان الزهريُّ -رحمه الله- إذا دخل رمضان يقول: "إنَّما هو قراءة القرآن، وإطعام الطعام"،
• وكان الإمام مالك -رحمه الله -: "إذا دخل رمضانُ ترك قراءة الحديث وأقبل على القرآن"،
• وقال عبدالرازق: "كان سفيان الثوريُّ إذا دخل رمضان تَرَك جميعَ العبادة، وأقبل على قراءة القرآن".
نسألُ اللهَ -تعالى- أن يَجعَلَنا جميعاً من أهلِ القرآنِ الذينَ هم أهلُ اللهِ وخاصَّتُه، وأن يَرزُقَنا فيهِ التلاوَةَ والإخلاصَ للهِ وَحدَه.
أقولُ ما تَسمعونَ، وأستغفِرُ اللهَ الجليلَ العظيمَ من كُلِّ ذَنبٍ؛ فاستَغفِروهُ وتوبوا إليهِ؛ إنَّهُ هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إحسانهِ والشكرُ له على توفيقهِ وامتنانهِ وأشهدُ أن لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له تعظيماً لشأنه وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ الداعي إلى رضوانهِ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آلهِ وإخوانهِ وخِلَّانهِ ومن سارَ على نَهجِهِ واقتَفى أثَرَهُ واستَنَّ بسُنتهِ إلى يومِ الدين، أمــــــــــــــــــا بعد: :
أيها الإخوةُ الكرام: كما أنَّ لِقراءَةِ القرآنِ فضلاً وأجراً،
فإنَّ لقراءةِ القرآنِ آداباً، فمِن آدابِ قِراءةِ القرآن:
:diamonds: الإخلاصُ للهِ -سبحانَهُ وتعالى :diamonds:
ألّا يقرأَ لأجلِ أن يُثنَى عليهِ أو لأجلِ أن يَمدَحَ الناسُ تِلاوَتَهُ أو كَثرَةَ قراءَتِهِ أو أن يَمدحَ الناسُ صَوتَهُ، ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ).
وفي الحديثِ الذي رواه مسلم أنَّ النبيَّ -ﷺ- أخبَرَ أنَّ أوَّلَ مَن تُسَعَّرُ بهم النارُ ثلاثةٌ، وذكرَ منهم -ﷺ- " رَجُلاً قارِئاً للقرآن، فيُجاءُ بهِ فيَسألُهُ اللهُ -تعالى- عن عَمَلِهِ؟ فيقول: قَرَأتُ فيكَ القرآنَ وأقرأتُهُ للناس، فيقولُ اللهُ -تعالى- لهُ كَذَبتَ، وتقولُ الملائِكةُ لهُ كذبتَ، وإنما قَرأتَ لِيُقالَ هوَ قارِئٌ فقد قيلَ، ثمَّ يُؤمَرُ بهِ فيُسحَبُ إلى النارِ"، -عِياذاً باللهِ-،
فالإنسانُ يُخلِصُ للهِ -سبحانهُ وتعالى- إذا قَرأَ لِيَرجوا رَحمَةَ اللهِ –تعالى- ورِضوانَهُ والأجرَ الـمُتَرَتِّبَ على تِلاوةِ القرآن.
:diamonds: ومن آدابِ القرآنِ أن يَتَغَنَّى بهِ، أن يُرَتِّلَهُ :diamonds:
أن يُـحَسِّنَ صوتَهُ بالقرآن، "زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ" (رواه ابن ماجه)؛
فَمِنَ السُّنةِ إذا قرأتَ أن تُحاوِلَ أن تَتَغَنَّى بِه، أن تُرَتِّلَهُ فإنَّ "الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ"(رواه مسلم)، لهُ أجرُ التلاوَةِ وأجرُ المشقَّةِ التي تُصيبُه.
[size=32]إخـــوة الإسلام:[/size][size=32] [/size]نُنَبِّهُ إلى أنَّ بعضَ الناسِ إذا نظرتَ إليهِ وهو يقرأُ القرآنَ وجدتَ أنَّهُ يُمسِكُ المصحفَ ولا يُحرِّكُ شَفَتيهِ وإنَّما يُـمِرُّ عَينَيهِ فقط على الآياتِ فتَظُنُّ أحياناً أنهُ لا يَقرأُ، تَظُنُّ أنهُ يُفَكِّرُ ثُم تُفاجَأُ أنهُ فتحَ الصفحةَ، بمعنى أنهُ قرأَ صفحةً كامِلَةً وذهبَ إلى الَّتي بعدَها وهذا لا يُعتَبَرُ تِلاوَةً فإنَّ التِّلاوَةَ لابُدَّ أن تَجريَ على اللِّسانِ الأحرُف والألفاظُ، أما من كانَ يُمسِكُ المصحفَ ثم يـَمُرُّ بعينيهِ فقط على الآياتِ فهذا كمِثلِ الذي يَبحثُ عن آيةٍ مُعَيَّنةٍ أو كَلِمَةٍ معينةٍ أو يُريدُ أن يُراجِعَ حِفظِه، أما مَن يُريدُ الأجرَ، كُلُّ حرفٍ بحسنةٍ والحسنةُ بعشرِ أمثالِها إلى سبعِمائةِ ضِعفٍ فلابُدَّ أن يَحرص على أن يَنطِقَ بالألفاظِ نُطقاً صحيحاً حتى يَصِحَّ لهُ أنهُ قرأ القرآنَ.
ومن آدابِ القرآنِ -أيُّها الصائِمون- أن تَقرأَ قراءةً صحيحةً
وليسَ عَيباً أن يَجلِسَ المرءُ معَ مَن يُعلِّمُهُ، وغالِباً الأخطاءُ التي يُخطئُ فيها الإنسانُ أثناءَ التلاوةِ تتكرَّرُ في السور، إمَّا لم يَلتَزِمْ بحركاتِ التشكيلِ من رَفعٍ وخَفضٍ وفَتحٍ وما شابَهَ ذلك، أو أنهُ ربما بَعضُ مَخارِجِ الحروفِ غيرُ واضِحةٍ فلا تحتاجَ أن تقرأَ القرآنَ كاملاً على من يُعلِّمُكَ
فإن فعلتَ فهو حَسَنٌ لكن على الأقَلِّ اقرأ عليهِ ولو عشرَ دقائقَ أو رُبعَ ساعةٍ يُنَبِّهُكَ على الأخطاءِ الرئيسيةِ التي تقعُ منك؛ فإذا انتَبَهتَ إليها في بقيةِ تلاوَتِكَ استقامَ اللسانُ معكَ إلى آخِرِه،
ولذلكَ كانَ الصحابَةُ يأتي أحدُهم إلى النبيِّ -ﷺ-[size=32] [/size]ويقرأُ بينَ يديهِ القرآنَ لِيُصَوِّبَهُ لو وقعَ في شيءٍ من الأخطاءِ. :diamonds: ومن آدابِ القرآنِ -أيُّها الصائمون- أن تَحرِصَ على أن تَضبُطَ ألفاظَكَ أثناءَ قراءَتِك.
:diamonds: ومن آدابهِ تَعليمُ القرآن " خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ "(رواه البخاري)، أن تُنادِيَ ولَدَكَ وتقولَ اقرأ لأجلِ أن أُصَحِّحَ لك، أن تُنادِيَ من شِئتَ من الناسِ لأجلِ أن تُعلِّمَهُ القرآن، حتى ولو لم يَطلُب منكَ ذلك فإنَّكَ بلا شكَّ على خير.
:diamonds: ومن آدابِ القرآنِ تَدَبُّرَهُ، ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ) ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)؛ مِن تَدَبُّرِ القرآنِ أن تَنظُرَ في الآيات، ولو أمسَكَ الإنسانُ المصحفَ الذي في حَواشيهِ بعضُ المعاني فإذا قرأَ مثلاً ( فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَد) ينظُرُ ما هو المسد فيقرأُ معناها،
(اللَّهُ الصَّمَد) يَقرَأُ معناها، ونحوَ ذلك، فإذا مَرَّ على كلمةٍ لم يَفهَمها حَرِصَ على أن يَتَعلَّمَ معناها بقراءَةِ المعنى حتى يَستَوعِبَ كلامَ اللهِ –تعالى- الذي أنزَلَهُ على عبادِه.
اللهمَّ اجعَلنا ممَّن يَتلونَهُ حَقَّ تلاوَتهِ ويَتدَبَّرونهُ ويؤمنونَ بهِ يا رَبَّ العالمين،